لولا الإرادة الإسبانية في تشجيع السياحة و روعة الأنامل الذهبية للحرفيين المغاربة، لظل قصر الحمراء مجرد خراب و ركام مهجور

يعتقد الكثيرون في إطار زيارته لقصر الحمراء أنه يشاهد القصور النصرية بزخارفها و نقوشها على حقيقتها التي كانت عليها منذ تشييدها و أنها صمدت لمدة 786 سنة في وجه عوامل الزمن. إلا أن ذلك خاطئ تماما و ضرب من ضروب الخيال، لكون قصر الحمراء كان مجرد خراب و ركام يسكنه المشردون و قطاع الطرق حتى وقت قريب. ضع في مخيلتك و أنت تستمتع بجولتك في قصر الحمراء، أنك ما تشاهد إلا إبداعات من يد الصانع المغربي الذي تفنّن أيّما تفنّن في زخرفة و زركشة هذا الصرح المعماري المسلوب

كيف ذلك؟

Before Renovation
After Renovation

إبان الغزو الفرنسي لإسبانيا (1808 م – 1813 م)، إتّبع الجيش الفرنسي سياسة التدمير و الهمجية في البلد، بحيث تعرض قصر الحمراء لأضرار كبيرة من طرف الفرنسيين، فأصبح

فناء الريحان Patio de los Arrayanes

مستودعًا للمقذوفات، و انتزعت أرضية

فناء الأسود Patio de los Leones

و زُرعت فيه حديقة من الورود و الياسمين و الآس على الطراز الفرنسي السائد في ذلك الوقت، ناهيك عن اختفاء و نهب الأسقف و الأبواب و القاعة ذات التجاويف الغنية لبرج

 Torre de la Cautiva

إستمرت الحماقة الفرنسية حتى عام 1813 م عندما قامت فرنسا لحسن الحظّ بإخلاء قصر الحمراء، و كتذكار ترك الفرنسيون الألغام في كل مكان، و تمكّنوا من نسف ثمانية من الأبراج، إلا أنه بفضل (خوسيه غارسيا) تمّ إنقاذ ما تبقى

بعد الإستعمار الفرنسي لإسبانيا و تدمير بونابرت لقصر الحمراء، أصبح مجرّد ركام و أنقاض متراكمة هنا و هناك و سكنه الغجر و قطّاع الطرق، حتى أنّ الحكّام القشتاليين فكّروا في تدميره أكثر من مرّة

Before Renovation
After Renovation

في سنة 1829 م، أقام في قصر الحمراء الكاتب الأمريكى (واشنطن إيرفنج) و ألّف رواية الحمراء و ذاع صيت القصر، فانتبهت الحكومة الإسبانية و فكّرت في إعادة ترميمه. في هذا الوقت كان جزء من قصر الحمراء “قصر البرطال” تابعا للقطاع الخاص و الضبط في ملكية (آرثر فون جوينر)، ليتمّ بعد ذلك تفكيك بعض أجزائه بإذن من السلطات الإسبانية في 1891 م، و دمجه في قصر الحمراء بعدما تمّ التنازل عنه للدولة الإسبانية من قبل المالك آنذاك. كما ظهرت للوجود مرّة ثانية القبّة الخشبية التي تمّ تفكيكها في (برلين) في بداية القرن 19 م

كان قصر الحمراء خلال النّصف الأوّل من القرن 20 م، في حالة سيّئة للغاية. إذ كان عبارة عن ملاذ للمتسكعين و المدمنين و المتسولون الذين يعيشون على أطرافه، إضافة إلى البلطجية بحكم بعده على المدينة

في عام 1917 م، تم توقيع ديباجة الخطّة العامّة للحفّاظ على قصر الحمراء من طرف المهندس المعماري (ريكاردو فيلاسكيز بوسكو) لتجنّب الخراب الذي يهدّد المبنى. و يعود الفضل الكبير في تنفيد خطّة التّرميم للمهندس للمعماري الاسباني (ليوبولدو توريس بالباس) بأعماله الترميمية خاصّة في الفترة الممتدّة بين عامي 1923 م و 1936 م، و استعان في ذلك بالخبرة المغربية و الحرفية العالية التي يتمتّع بها الصّناع و الحرفيون المغاربة، الذين أعادوا للقصر بهاءه من خلال زخرفته بفنّ العمارة الحضارية المغربية الأصيلة المتوارثة الأجيال

بعد اكتسابه لشهرة عالمية، صار قصر الحمراء مقصدَ الزّائرين من مختلف بقاع العالم، و تمّ الإحتفاء بالمهندس المعماري (ريكاردو فيلاسكيز بوسكو) كواحد من أهمّ مرمّمي الفنّ الإسلامي في الأندلس، و اعتُرف بفضله في ترميم قصر الحمراء النّصري و الحفاظ عليه بعد أن كان ركاماً على ركام

ثمّ القصر يعود اليوم على إسبانيا بأكثر من نصف مليار دولار كل عام

Before Renovation
After Renovation