دخول الموحدين بلاد الأندلس

ظهر الموحدون في المغرب كقوة سياسية منظمة بمختلف الوسائل على قلب الحكم المرابطي، فأقاموا دولة قوية مترامية الأطراف تمتد من طرابلس الغرب إلى سوس الأقصى من بلاد المصامدة و أكثر جزيرة الأندلس  [1]

و بلغت الدولة الموحدية ذروة مجدها على عهد عبد المؤمن بن علي و ابنه يوسف و حفيده يعقوب المنصور الموحدي. و كانت الأندلس أيامهم تعيش حالة تمزق بين ثلاثة اتجاهات :

الإتجاه الأول : يتمسك بالمرابطين و يمثله يحيى بن غانية القائد العام لقوات المرابطين بالأندلس و أخوه محمد

الإتجاه الثاني : يدعو إلى تحرير الأندلس كلها من حكم البرابرة، و يسعى إلى إعادة وحدتها الوطنية التي كانت عليها أيام الخلافة الأموية ، و نتلمس ذلك الاتجاه في تلك الثورات و الانتفاضات التي انبثقت هنا و هناك في أرجاء البلاد، و قد تزعم هذا التيار أخيرا سعد بن مردنيش في شرقي الأندلس

الإتجاه الثالث : يدعو إلى الاستعانة بالموحدين لتخليص البلاد من المرابطين من جهة و من خطر النصارى من جهة ثانية [2]

هكذا ورث الموحدون ما بقي للإسلام في الأندلس، و عليهم أن يجتهدوا كأسلافهم في الدفاع عن هذه البلاد. فكانت أول خطوة سلكها الخليفة عبد المؤمن اتجاه الأندلس هي الإسراع بإرسال الجيوش إليها و القضاء على الثوار الذين أرادوا بالأندلس الرجوع إلى عهد ملوك الطوائف، ثم قمع الأطماع النصرانية في الاستيلاء على المناطق الإسلامية

 ثورة ابن قسيِّ .. ثورة المريدين في البرتغال

كان أول الثائرين بالجنوب الغربي للأندلس (البرتغال الحالية) هو أبو القاسم أحمد بن الحسين بن قسي (و هو رومي الأصل من بادية شلب، نشأ مشتغلا بالأعمال المخزنية، ثم تزهد – بزعمه – و باع ماله و تصدق بثمنه، و ساح في البلاد، و لقي أبا العباس بن العريف في مدينة ألمرية

Alemeria

قبل إشخاصه إلى مراكش، ثم انصرف إلى قريته. و أقبل على قراءة كتب أبي حامد الغزالي في الظاهر، و هو يستجلب أهل هذا الشأن محرضا على الفتنة و داعيا إلى الثورة في الباطن. ثم ادعى المهدوية منحرفة و تمويها على العامة وتسمى بالإمام  [3]

و سمى أتباعه (المريدين)، اتخذ شعار (التصوف) ستارا أخفى من ورائه طموحه السياسي، فتبعه كثير من زعماء غربي الأندلس، مثل ابن القابلة الذي كان أوفرهم ذكاء و أعظمهم حيلة فآثره ابن قسي و ألقى إليه بأسراره و آماله و أطلعه على خططه ، ثم الفقيه محمد بن عمر بن المنذر زعيم شلب، و سيد راي بن وزير رائد المريدين بمدينة يابرة و زعيم ثورتها ضد المرابطين. و في سنة 1144 م سيطر كما يذكر صاحب البيان المغرب ” فأول من قام بدعوتهم فيها – الأندلس أهل ميرتلة” [4].

و إن كان الخليفة عبد المؤمن قد أنكر على ابن قسي إدعاؤه الإمامة و المهدوية التي من شأنها معارضة مهدوية ابن تومرت. و يأبى هذا الأخير إلا أن يعبر البحر إلى المغرب 🇲🇦ليتصل بالخليفة الموحدي في مدينة ” سلا متبرئا من دعاويه و تائبا من مساويه في ربيع الآخر سنة 540 هـ. ثم انصرف في المحرم سنة541 هـ صحبة الجيش الذي افتتح جزيرة طريف و الجزيرة الخضراء، و لما فتحت شلب ترك ابن قسي عليها واليا ” [5] . و لكن روح التوثب و الانتهازية لم تكن لتفارقه. فما كاد يسمع بثورة ابن هود الماسي في المغرب حتى خلع طاعة الموحدين و أصبح مستظهرا بأمير مرابطي، فوجد نفسه في عزلة و يأس و افتضح أمره، فارتمى في أحضان النصارى مستنجدا مستغيثا

” و داخل الطاغية ابن الريق صاحب قلمرية في إعانته و إمداده، فأظهر إجابته إلى مراده، و بعث إليه بفرس و سلاح، فأنكر ذلك أهل شلب، و فتكوا به، و نصبوا مكانه ابن المنذر الأعمى، معلنين بدعوة الموحدين، و ذلك في جمادى الأولى من سنة 546 هـ” [6]. و بذلك طويت صفحة من أخطر الصفحات في تاريخ البرتغال الإسلامية

لائحة المصادر و المراجع :

[1] المعجب, ص337

[2] انظر كتاب (الشعر في عهد المرابطين والموحدين بالأندلس) محمد مجيد السعيد, ص26, الدار العربية للموسوعات

[3] انظر الحلة السيراء لابن الآبار, تحقيق حسين مؤنس, الجزء الثاني, ص197

[4] الجزء الرابع, ص105

[5] الحلة السيراء, الجزء الثاني, ص199

[6] المرجع نفسه, ص200