محكمة الماء في بلنسية .. أقدم مؤسسة عدلية في أروبا و ما زالت تعقد جلساتها لحد الساعة رغم مرور أكثر من 787 سنة على سقوط المدينة

أقام المسلمون بشرق الأندلس تنظيما محكما للري و جعلوا له تنظيما قانونيا مازال مضرب الأمثال إلى يومنا هذا و مرجعا قيما للعلماء و الباحثين في مختلف أنحاء العالم

في سنة 960 م تقريبا تم تأسيس محكمة الماء

 Al Tribunal de las Aguas de València

على يد الخليفة عبد الرحمن الناصر ، و تعتبر هذه المحكمة أقدم مؤسسة عدلية في القارة الأوروبية و كانت تتألف من 80 قضاة و يشترط فيهم أن يكونو مباشرين لأعمال الزراعة لا ملاكا فقط و ذوو نزاهة و مروءة و إستقامة و يتم إنتخابهم بشكل مباشر لمدة 30 سنوات، و كانت المحكمة تنعقد بجامع مدينة بلنسية الأعظم زوال كل يوم خميس و كان الهدف البث في نزاعات المزارعين حول الماء

بعد سقوط بلنسية بيد الإسبان إستمر العمل بالمحكمة لكن تم تحويل المقر إلى باب الحواريين بعد تحويل الجامع إلى كنيسة ، و إشتهر الملك الإسباني خايمي الأول بإعجابه و شغفه و تأثره بالتشريعات الإسلامية فأصدر قرارا بتأكيد الإمتيازات التي كانت للمحكمة أيام العهد الإسلامي

بالرغم من مرور أكثر من 1000 عام على إنشاء المحكمة ، لا تزال هذه الأخيرة تعقد إلى الآن بمدينة بلنسية و لا تتدخل السلطات العمومية في شؤونها و قضاتها أنفسهم تطالهم الإجراءات إذا رفعت شكايات ضدهم و إذا تخلف المدعى عليه ثلاث مرات عن الحضور تم إعتباره مذنبا لكن يحق له الدفاع عن نفسه و إحضار الشهود و طلب معاينة الأسباب التي منعته من الحضور و تفرض الغرامات بالعملة المحلية التي كانت رائجة بالإقليم في العصور الوسطى . و تكون المسطرة المتبعة شفهية والأحكام الصادرة قطعية لا تقبل إستئناف و رغم أن اللجوء للمحكمة إختياري فإنه قلما يتخلف أحد عن الحضور و الإذعان لأحكامها و إذا رفض الإمتثال يحال الأمر إلى المحكمة الإبتدائية بالدائرة القضائية التابع لها مقر المحكمة

لازال قضاة محكمة الماء يرتدون الثياب السوداء التي كان يرتديها الفلاحون في بلنسية منذ العهد الإسلامي، و يجلسون على مقاعد جلدية كنحو التي كان يجلس عليها القضاة قديما، و جلسات المحكمة كانت و لا تزال علنية يمكن لأي امرئ أراد أن يحضرها، كما و تعقد المحكمة في ذات الفناء الذي كانت تعقد فيه غير أنه قديما كان فناء مسجد رحبة القاضي – و هو المسجد الجامع في بلنسية – بينما صار الآن فناء كاتدرائية بلنسية بعد هدم المسجد في زمن إنهاء الوجود الإسلامي في الأندلس

و بهذا تمثل محكمة المياه البلنسية الأندلسية نموذجا لمؤسسة اجتماعية ذات نفع عام، استمدت فكرتها وخلودها من خصائص الحضارة الإسلامية التي أنبتتها.و في 2009 م ، تم إدراج لجنة تحكيم الري المسؤولة عن تسوية النزاعات على مياه الري بين المزارعين ، من طرف منظمة اليونيسكو عام ضمن أهم المعالم التراثية

و جدير بالذكر ، أن هذا النظام لا يزال معمولا به لحد الساعة في جميع ربوع المملكة المغربية خاصة في جنوب المملكة التي تعرف نقصا على مستوى التساقطات المطرية ( في الواحات نموذجا)